يُعد التضخم من أهم العوامل الاقتصادية التي تؤثر على مختلف القطاعات، ومن بينها القطاع العقاري في المملكة العربية السعودية، حيث يشكل العقار جزءًا أساسيًا من الاقتصاد المحلي.
تتأثر أسعار الأراضي، الإيجارات، وتكاليف البناء حيث ترتبط الأسعار بالتغيرات التضخمية ارتباط قوي.
وهناك الكثير من العوامل الرئيسية التي تسبب ارتفاع الأسعار ومنها أسعار الفائدة فعندما تكون الفائدة منخفضة يمكن شراء المساكن وفي متناول الجميع لكن إذا ظل المعروض ثابتًا مع ازدياد الطلب فسترتفع الأسعار ومن هنا نستنبط العامل المؤثر في التضخم وهو عدم موازنة العرض والطلب. التضخم لا يُطال المساكن فحسب، بل يمتد الإقامة في الفنادق وأسعار مواد البناء والخدمات.
وفي هذه المقالة، سنناقش تأثير التضخم على سوق العقارات في السعودية، والعوامل التي تؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض الأسعار، والتحديات التي تواجه المستثمرين والمطورين العقاريين، بالإضافة إلى بعض الحلول الممكنة لمواجهة هذه التحديات.
ما هو التضخم في سوق العقارات؟
التضخم كلمة يتم تداولها كثيرًا لكن الكثيرين لا يفهمون معناها. التضخم هو عندما ترتفع أسعار السلع والخدمات بشكل عام مع مرور الوقت. ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة في سوق العقارات أيضًا؛ تعتمد قيمة العقارات على العرض والطلب، فإذا كان هناك زيادة في الطلب على المساكن، فستشهد ارتفاعًا في أسعار تلك المنازل وفقًا لذلك. فعندما نعرِّف التضخم نستطيع أن نقول بأنها الزيادة العامة والمستمرة في مستوى أسعار المنتجات والخدمات خلال فترة زمنية معينة. يُقاس التضخم عادةٍ من خلال مؤشرات مثل مؤشر أسعار المستهلك وعدة قياسات أخرى يستخدمها دارسو مجال الاقتصاد. ويُؤثر التضخم على الاقتصاد من خلال رفع تكلفة المعيشة وزيادة تكاليف الإنتاج وتقليل القدرة الشرائية للأفراد.
وبالنسبة للقطاع العقاري، يؤدي التضخم إلى زيادة أسعار الأراضي ومواد البناء فينعكس مباشرةً على تكلفة التطوير العقاري والإيجارات
وأسعار المساكن.
التحديات التي تواجه العقارات في المملكة العربية السعودية
يواجه قطاع العقارات في السعودية عدة تحديات تؤثر على تطوره واستقراره رغم الجهود الحكومية المبذولة في تعزيز الاستثمار العقاري وتوفير حلول إسكانية للمواطنين فمن أبرز هذه التحديات:
ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات
نجد الزيادة المستمرة في المدن الكبرى خاصةً الرياض وجدة والدمام في أسعار الأراضي والعقارات والتي تجعل امتلاك العقارات أكثر صعوبة مقارنةً بالسنوات الماضية مع قلة المعروض من الأراضي المطورة مما يجعل هناك زيادة في ارتفاع الأسعار ويُؤثر في تكاليف البناء والإسكان.
ارتفاع تكاليف مواد البناء
بسبب التضخم العالمي وسلاسل التوريد وزيادة أجور العمالة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة أصبح هناك ارتفاع أسعار المواد الخام مثل الأسمنت والحديد والخشب وكل هذا من المؤثرات على تكاليف تطوير المشاريع العقارية.
تحديات التمويل العقاري وارتفاع أسعار الفائدة
بسبب زيادة أسعار الفائدة على القروض العقارية أصبح التمويل العقاري أكثر تكلفة وهذا يقلل من قدرة الأفراد في حصولهم على التمويل لشراء المنازل أو الاستثمار في العقارات التي يرغبون بها. فأصبحت هناك فئات تواجه صعوبة في الحصول على التمويل العقاري بسبب شروط البنوك الصارمة.
الطلب المتزايد مقابل محدودية العرض
أصبح هناك زيادة في عدد السكان ونمت المدن بشكل سريع في السنوات التي نعيشها حاليًا مما يرفع الطلب على الوحدات السكنية في حين أن العرض لا يواكب المتطلبات على المساكن بنفس الوتيرة. وبعض المشاريع العقارية تستغرق وقت طويل للتطوير وهذا يؤثر على توازن السوق.
المضاربات العقارية
هي استراتيجية استثمارية تتضمن شراء العقارات بقصد بيعها لاحقًا لتحقيق الربح لذلك هي تهدف إلى الاستفادة من التغيرات السريعة في قيم العقارات، وتسمى ايضًا الاكتناز أو الاحتكار من قبل المستثمر دون تطوير الأراضي. انتشار المضاربات في سوق العقارات يؤدي إلى رفع الأسعار بشكل غير طبيعي إذا لم تجد في طريقها من يقنن الأسعار، مما يخلق تحديات أمام المشتري الحقيقي.
تأثير القوانين والأنظمة الجديدة
مثل تطبيق الضرائب كضريبة التصرفات العقارية وضريبة القيمة المضافة على العقارات وأيضًا رسوم الأراضي البيضاء تحمل أثر على بعض المستثمرين لرغبتهم في زيادة تكلفة العقار واللوائح التي تكون متغيرة وسريعة تتطلب من المطورين والمستثمرين المواكبة والتكيف بسرعة، مما يخلق تحديات إدارية وتمويلية.
نقص الخيارات السكنية المتنوعة
وجود حاجة متزايدة إلى وحدات سكنية متنوعة تناسب مختلف فئات المجتمع من حيث المساحة والتكلفة.
مشكلة أن بعض المطورين يحصر مشاريعه على الفلل والحدات الفاخرة بينما لا تزال الحاجة قائمة للوحدات الاقتصادية والمتوسطة.
التأثيرات الاقتصادية العالمية
التغيرات الاقتصادية العالمية التي تحدث مثل الركود أو الأزمات المالية من شأنها أن تؤثر على تدفقات الاستثمار الأجنبي والمحلي في القطاع العقاري. فتقلب أسعار النفط يؤثر بشكل غير مباشر على سوق العقارات نظرًا لاعتماد الاقتصاد السعودي على عائدات النفط.
العوامل الاقتصادية المؤثرة في ارتفاع أسعار العقارات
هناك الكثير من العوامل التي تؤثر على ارتفاع أسعارالعقارات وتؤدي الى زيادة أو خفض التضخم ومن أهم هذه العوامل:
سياسات الدعم الحكومي والإصلاحات الاقتصادية
تتأثر أسعار العقارات بالسياسات الحكومية مثل برامج الإسكان، الضرائب العقارية، ورسوم الأراضي البيضاء. ومبادرات مثل برنامج الإسكان ورؤية 2030 تهدف إلى توفير حلول سكنية ميسورة وتحفيز التطوير العقاري، وهذا بالتأكيد يساعد في ضبط الأسعار على المدى الطويل.
تأثير أسعار النفط على الاقتصاد العقاري السعودي
اقتصاد المملكة العربية السعودية يعتمد بشكل كبير على النفط، فأي تواجد لارتفاع أو انخفاض في أسعار النفط سينعكس على النمو الاقتصادي، والذي بدوره يؤثر على سوق العقارات كما ذكرنا سابقًا. ارتفاع أسعار النفط يدعم زيادة الإنفاق الحكومي على البنية التحتية والإسكان، فمن شأنه يحفز القطاع العقاري. وعلى العكس تمامًا، انخفاض أسعار النفط يؤدي إلى تراجع النشاط العقاري نتيجة انخفاض الاستثمارات.
الطلب المتزايد على العقارات السكنية
كما ذكرنا في الفقرة السابقة أن نمو المدن الكبرى يتطور معه عدد السكان فيزداد الطلب على المساكن وبالطبع سيؤدي إلى رفع أسعار البيع والإيجارات خاصةً في المناطق الحضرية الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام.
تأثير التضخم العالمي وسلاسل الإمداد والتوريد
تتأثر المملكة العربية السعودية بالتضخم العالمي، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف النقل وسلاسل التوريد.
الأمر الذي يساعد في زيادة أسعار المواد الأولية، علمًا بأنه سينعكس على تكاليف البناء وأسعار العقارات.
تأثير التضخم على العقارات في المملكة العربية السعودية
بالطبع هناك تأثير كبير للتضخم على سوق العقارات في السعودية، وينعكس هذا التأثير على الآتي:
ارتفاع أسعار العقارات
في المملكة العربية السعودية، تعتمد تكاليف البناء على أسعار المواد الأولية مثل الحديد، الأسمنت، الأخشاب، والزجاج، والتي بدورها تتأثر بأسعار الطاقة وسلاسل التوريد العالمية. ومع ارتفاع تكلفة البناء، يرتفع سعر بيع الوحدات السكنية والتجارية، فسيتطور الحال إلى تحديات في القدرة الشرائية للمواطنين والمستثمرين.
زيادة الإيجارات
يرتبط التضخم بزيادة تكاليف الخدمية واستعمال المواد في التشغيل والصيانة للمباني، مما يدفع ملاك العقارات إلى رفع الإيجارات لتعويض هذه التكاليف. وعند قراءة المشهد لعاصمة المملكة العربية السعودية مدينة الرياض نجد ارتفاع الطلب على الوحدات السكنية مع زيادة تكاليف التشغيل إلى ارتفاع ملحوظ في الإيجارات، خاصة في المناطق الحيوية لمقرات الأعمال.
انخفاض القوة الشرائية وتأثيره على الطلب العقاري
تستند القوة الشرائية للأفراد على موازنة أسعار السوق لكن مع التضخم فالمعادلة تختلف، مما يقلل من قدرتهم على شراء العقارات أو تحمل التكاليف المرتفعة للإيجارات. فبطبيعة الحال سيؤدي إلى انخفاض الطلب على شراء الوحدات السكنية، ويتجه الأفراد إلى البحث عن خيارات أكثر ملاءمة من حيث التكلفة مثل الإيجار أو الوحدات الصغيرة الاقتصادية والمستوى المتوسط.
تأثير التضخم على التمويل العقاري
تلجأ البنوك والمؤسسات المالية إلى رفع أسعار الفائدة على القروض العقارية عند ارتفاع التضخم لحسابات تضعها في صالحها، والذي يصبح الحصول على تمويل عقاري أكثر تكلفة.
في الحقيقة أن نسبة كبيرة من مواطنين المملكة العربية السعودية، يعتمدون على القروض العقارية لشراء المنازل، لكن ارتفاع الفوائد يصنع عقبة أمام القدرة على التملك فيسبب انخفاضا ملحوظا في النشاط العقاري حتى تستقر الأوضاع.
ارتفاع تكلفة تطوير المشاريع العقارية
يواجه المطور العقاري اليوم تحديات كبيرة مع التضخم، بسبب زيادة تكاليف البناء والأجور بشكل مستمر، الأمر الذي يجعل تنفيذ المشاريع أكثر تكلفة. ففي بعض الحالات هذه الزيادة تسبب في تأخير المشاريع أو تقليل حجم الاستثمار في التطوير العقاري.
الأضرار التي يسببها التضخم على العقارات في السعودية
يؤثر التضخم بشكل مباشر وغير مباشر على سوق العقارات في السعودية، مما يسبب تحديات للمطورين والمستثمرين، وأيضًا المستهلكين. نذكر لكم هنا أبرز الأضرار التي يسببها التضخم على العقارات:
ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات
وجود التضخم في العقارات والسلع الإنشائية سيؤدي لارتفاع أسعار الأراضي بشكل ملحوظ وسيلحق معه الزيادة في تكلفة شراء الأراضي للمطور العقاري. ولتعويض خسارته سيرفع من أسعار بيع الوحدات السكنية والتجارية وبالطبع يؤثر ذلك في صعوبة تملك المستهلك.
زيادة تكاليف البناء والتطوير العقاري
زيادة أسعار المواد الخام كالحديد والأسمنت والخشب والزجاج ومع ارتفاع أجور العمالة ستؤثر في تكاليف البناء، مما ينعكس على التكلفة الإجمالية للمشاريع العقارية. هنا على المطور أن يرفع من سقف الميزانية المالية المقدرة لإنهاء المشروع. حتى لا يتسبب في تأخير تنفيذ المشروع العقاري أو يقلل من عدد المشاريع الجديدة بسبب ارتفاع التكلفة.
ارتفاع أسعار الإيجارات
يلجأ مالك العقار إلى رفع الإيجارات لتعويض الخسائر التي اعترضت طريقه في البناء والصيانة والتشغيل. والذي يُؤثر سلبًا على المستأجرين خاصة أصحاب الدخل المحدود، فيصعب عليهم العثور على سكن بأسعار معقولة، فيتسبب ذلك إلى زيادة معدلات التكدس السكاني في المناطق الأقل تكلفة.
ضعف القدرة الشرائية للمستهلكين
ركود السوق العقاري بسبب ارتفاع الأسعار الذي أضعف من قوة الشراء لدى الفرد المستهلك. فبدوره يلجأ إلى تأجيل قرارات الشراء حتى تتحسن الأوضاع الاقتصادية.
تأثير التضخم على التمويل العقاري والقروض
قرار الشراء عقار سكني أو تجاري يتضمن مع قرار الحصول على قرض تمويلي، لكن مع تواجد التضخم الذي صاحبة ارتفاع في أسعار الفائدة يجعل القرار الشرائي أكثر تكلفة. فالنتيجة هي عزوف بعض المشترين عن الاقتراض وبالتي سيؤثر حتمًا على مبيعات العقارات وعلى معدلات التعثر المالي لدى بعض المقترضين.
تآكل قيمة الاستثمارات العقارية
عند ارتفاع التضخم بمعدلات كبيرة تتراجع القيمة الحقيقة للعوائد العقارية مقارنة بتكاليف التشغيل والصيانة.
سينخفض العوائد الفعلية للمستثمرين في حال لم ترتفع الإيجارات بنفس وتيرة التضخم.
ولجوء بعض المستثمرين إلى تصفية الأصول العقارية والانتقال استثمارات أخرى ليحققوا من ذلك الاستقرار والأمان.
التأثير على استقرار السوق العقاري
ارتفاع الأسعار بشكل مضطرب يؤدي إلى حالة من عدم اليقين عند المستثمر والمستهلك في بعض الأحيان يسبب التضخم المرتفع إلى فقاعات عقارية حيث ترتفع الأسعار بشكل مفرط ثم تنهار فجأة عند عدم القدرة على الاستمرار في الشراء أو الاستثمار.
وعدم استقرار السوق يخلق تقلبات حادة في العرض والطلب مما قد يؤدي إلى فترات من الركود العقاري.
تأثير التضخم على القطاع التجاري والاستثماري
ارتفاع تكاليف الإيجار والصيانة للمباني التجارية يؤثر على الشركات وأصحاب الأعمال مما يزيد من تكلفة التشغيل فبعض الشركات تقلل من حجم مساحاتها المستأجرة أو كحل آخر تنتقل إلى مواقع أقل تكلفة مما يؤثر على العوائد العقارية للمستثمرين. ويتراجع المستثمر الأجنبي في القطاع العقاري بسبب ارتفاع التكاليف وصعوبة تحقيق عوائد مجزية.
كيفية التحوط من التضخم في سوق العقارات في السعودية
- . تعزيز الاستثمار في الإسكان الميسر وتوجيه الاستثمارات نحو مشاريع إسكان اقتصادية وميسرة لتلبية الاحتياج للفئات المختلفة في المجتمع وتوفير خيارات سكنية بأسعار معقولة، وهذه الخطوة تعمل على سد الفجوة بين العرض والطلب.
- الدعم الحكومي لتحفيز الإنتاجي للمواد الأساسية في البناء محليًا وتقليل الاعتماد على الواردات من الخارج لتقليل تأثير التضخم على
- تكلفة البناء.
- تطوير أنظمة التمويل العقاري من خلال تسهيلات تقديم قروض عقارية بفوائد منخفضة وبرامج تمويل مدعومة، يمكن تسهيل التملك العقاري للأفراد والمنشآت دون التأثر الكبير بالتضخم.
- التوسع في الضواحي وتشجيع الاستثمار في المناطق المحيطة لتحرير مدن حيوية جديدة للتقليل من الضغط على المدن الكبرى وإتاحة خيارات سكنية كثيرة بأسعار معقولة.
- فرض ضوابط على أسعار الإيجارات تحد من الارتفاع العشوائي في الإيجارات وضبط المضاربات العقارية من خلال سياسات تحفز من تطوير الأراضي والاستثمار الفعلي بدلاً من الاحتكار وهذا ما قامت به المملكة العربية السعودية في فرض رسوم الأراضي البيضاء.
- تعزيز الشراكات بين القطاع العام والخاص ووضع خطط لتسريع تطوير البنى التحتية والمشاريع العقارية.
في الختام
رغم التحديات والأضرار التي يسببها التضخم في قطاع العقارات إلا أن قطاع العقارات في المملكة العربية السعودية من أكثر القطاعات نموًا ومدعومًا برؤية 2030 التي تهدف إلى خلق بيئة استثمارية مستدامة، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب في السوق.
فإن السياسات الحكومية والإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية تلعب دورًا مهمًا في الحد من تأثير التضخم على القطاع العقاري. من خلال تعزيز مشاريع الإسكان الميسر، دعم الإنتاج المحلي لمواد البناء، ودعم التمويل العقاري المرن من خلال تقديم التمويل المدعوم من صندوق التنمية العقاري، يمكن أن يقلل من آثار التضخم ويحقيق سوق عقاري سعودي أكثر استقرارًا ومستدامًا.
وعلى المستثمرين والمطورين العقاريين في المملكة أن يكونوا على دراية بهذه المتغيرات ويعتمدوا استراتيجيات مرنة للتكيف مع التحولات الاقتصادية، لضمان نجاح مشاريعهم في ظل التحديات التي يفرضها التضخم.