مقدمة
يُعد التقييم العقاري أحد الأعمدة الأساسية في منظومة السوق العقارية في السعودية، حيث يمثل أداة حيوية لتحديد القيمة العادلة للعقارات سواء لأغراض البيع، أو الشراء، أو التمويل، أو التقاضي. ومع التحول الاقتصادي الكبير الذي تشهده المملكة ضمن رؤية ٢٠٣٠، أصبح للتقييم العقاري دورٌ أكبر في تعزيز الشفافية والثقة في السوق، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. وأسفرت الإصلاحات والمبادرات في إطار رؤية ٢٠٣٠ عن ازدياد في عدد المستثمرين الدوليين المستفيدين من بيئة الأعمال في المملكة العربية السعودية، خصوصًا مع فرص النمو الكبيرة للقطاعات غير النفطية. ويعد وجود قطاع عقاري منظم وموثوق به، عاملًا جاذبًا للاستثمار والتمويل من خلال صندوق التنمية العقارية، بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان.
هذا المقال يستعرض كل ما يتعلق بالتقييم العقاري في المملكة العربية السعودية من حيث التعريف، الجهات المنظمة، الأساليب المستخدمة، المؤهلات المطلوبة للمقيمين، التحديات، والفرص المستقبلية.
ما هو التقييم العقاري؟
التقييم العقاري هو عملية تحديد القيمة السوقية العادلة لعقار معين في وقت معين، بناءً على معايير مهنية ومن خلال تطبيق المعايير الدولية وبيانات دقيقة وتحليل اقتصادي. تهدف هذه العملية إلى دعم القرارات العقارية من خلال تقديم تقدير واقعي يعكس الوضع الحقيقي للعقار. والتقييم العقاري يعتبر علم وفن وخبرة يتمثل في اتباع الطرق العلمية ويستخدم في تقدير حقوق الملكيات العقارية لكافة أنواع العقارات سواء أراضي أو مساكن ومتاجر أو حتى مصانع ومزارع. وعملية تقييم العقار وتحديد قيمته السوقية أحد العوامل التي تؤثر في توازن العرض والطلب في قطاع العقارات في المملكة العربية السعودية. لأن التسعير بشكل عشوائي يتسبب في ركود القطاع العقاري وتوقف عمليات الشراء بسبب تغلب أطماع مالكي العقارات في رفع أسعار ممتلكاتهم.
أهداف التقييم العقاري
التقييم العقاري هو الحجر الأساس لفهم القيمة العادلة والحقيقية لأي عقار مهما كان نوعه، ويعتبر الأمر الحاسم عند حالات تتطلب تثمينه وتقديره لأهداف يريدها صاحب العقار، وله أهمية كبيرة للأفراد والشركات والجهات الحكومية والمستثمرين على حد سواء، دعنا نقول إن للتقييم العقاري أهداف مفصلة أبرزها تحديد القيمة العادلة للعقار لحماية البائع من الخسارة والمشتري من الاستغلال. وأصبحت البنوك تستخدم التقييم لمعرفة الحد الأقصى للتمويل. بالإضافة إلى دعم اتخاذ القرار المالي والاستثماري. فالتقييم يساعد في حساب العائد المتوقع ويساعد المستثمر في مقارنة فرص متعددة واختيار الأفضل منها. ويستعمل التقييم في تقدير قيمة العقارات عند تطبيق ضريبة التصرفات العقارية وفي احتساب الزكاة وعند فرض رسوم الأراضي البيضاء على الملاك غير المطورين.
الجهات المنظمة للتقييم العقاري في السعودية
تُعد الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين المعروفة باسم "تقييم"، الجهة الرسمية المسؤولة عن تنظيم مهنة التقييم العقاري في المملكة. وهي التي أنشئت بموجب نظام المقيمين المعتمدين الصادر عام ١٤٣٣هـ، وتهدف إلى تنظيم وتطوير مهنة التقييم بما يتوافق مع المعايير الدولية.
ومن أبرز مهام الهيئة، إصدار التراخيص للمقيمين المعتمدين، وتنظيم البرامج التدريبية والتأهيلية ومراقبة مزاولي المهنة والتأكد من الالتزام بالمعايير، بالإضافة إلى اعتماد المعايير المهنية الخاصة بالتقييم.
الهيئة تقدم عدة منتجات وخدمات منها أكاديمية تقييم التي تسمح للجهات والأفراد التدريب لممارسة التقييم وأيضًا نظام قيّم الذي يربط المستفيدين بالمقيمين. ومنظومة تقدير إحدى تلك الخدمات المقدمة وهي منظومة متكاملة لإدارة وتشغيل وتنظيم عمليات تقييم أضرار المركبات بشكل الكتروني وبمهنية واحترافية عالية.
ومن فروع التقييم التي يمكن للأفراد دراستها وحصول الشهادات الاحترافية في هذه التخصصات كتقييم العقارات وتقييم المنشآت الاقتصادية وتقييم الآلات والمعدات.
المسارات المهنية في التقييم العقاري
لكي تصبح مقيم عقاري معتمد في المملكة العربية السعودية، يجب اجتياز مراحل معينة تشمل التدريب والاختبار والترخيص. فالمسار المهني يتضمن البرامج التأهيلية التي تشمل سلسلة من الدورات التدريبية المعتمدة من الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين مثل دورة مبادئ التقييم العقاري وأساليب التقييم العقاري وتطبيقات عملية في التقييم. وهذه الدورات تقام في مختلف مناطق المملكة ويتطلب التسجيل لها ودفع الرسوم وإكمال حضور الجلسات التدريبية. وتتسم الدورات بالتتابعية بحيث يتطلب ترقيم متتابع للدورات حتى ينهي التدريب. ومن ثم يخضع المتدرب لاختبارات تقييمية تعقدها الهيئة واكمال الساعات التطبيقية في الميدان. وهنا يُمنح المقيم رخصة مزاولة المهنة التي تُجدد سنويًا.
أساليب التقييم العقاري
توجد عدة طرق للتقييم، ويُختار الأسلوب المناسب بناءً على نوع العقار والغرض من التقييم:
- طريقة المقارنة السوقية التي تعتمد على مقارنة العقار المراد تقييمه بعقارات مماثلة تم بيعها مؤخرًا في نفس المنطقة، مع إجراء تعديلات على الفروقات.
- طريقة الدخل تُستخدم للعقارات الاستثمارية، وتعتمد على تقدير صافي الدخل السنوي الناتج من العقار وتحويله إلى قيمة حالية باستخدام معدل رسملة وتوجد له أربع طرق في تقييم طريقة الدخل إما بطريقة الاستثمار أو بالقيمة الحالية للتدفقات النقدية أو بطريقة القيمة المتبقية أو بالأرباح.
- طريقة التكلفة تُستخدم للعقارات الخاصة أو غير النشطة في السوق، وتُقدّر من خلال حساب تكلفة إعادة بناء العقار مطروحًا منها قيمة الإهلاك، مضافًا إليها قيمة الأرض.
العوامل المؤثرة في التقييم العقاري
عند تقدير قيمة عقار، يأخذ المقيم في اعتباره مجموعة من العوامل مثل الموقع الجغرافي فكلما كان العقار في موقع استراتيجي أو حيوي زادت قيمته. أيضًا من العوامل التي تُؤخذ في الحسبان الاستخدام الحالي والمحتمل للعقار المراد تقييمه، هل هو سكني، تجاري، صناعي؟ وأيضًا البنية التحتية والخدمات فمثلاً قرب العقار من المدارس والأسواق والمراكز الصحية تختلف تقييمه عن عقار بعيد عن هذه الخدمات. ولا نغفل عن أهم عامل وهو حالة العقار من ناحية تقادم عمر المبنى وجودة التشطيبات والصيانة المطلوبة، ومن العوامل الخارجية التي تؤثر على قيمة العقار الطلب والعرض في السوق فتقلبات السوق العقاري تؤثر مباشرة في القيم.
الأنظمة والتشريعات ذات العلاقة بالتقييم العقاري
تخضع عملية التقييم العقاري في السعودية لعدد من الأنظمة التي تصبو إلى تحقيق التنظيم والشفافية، ومنها
نظام المقيمين المعتمدين كما ذكرنا سابقًا أن النظام يخضع لتطويع التقييم تحت رداءة التدريب واجتياز الاختبارات والتطبيق للحصول على رخصة التقييم. بالإضافة إلى نظام التسجيل العيني للعقار ونظام التوثيق العقاري ونظام الضريبة العقارية مثل ضريبة التصرفات العقارية. كل هذه الأنظمة تدعم عملية التقييم وتوفر للمقيم مرجعية قانونية.
أخلاقيات المهنة والمسؤوليات المهنية
يلتزم المقيم العقاري بمدونة سلوك مهني تفرض عليه النزاهة، والحيادية، والموضوعية، والسرية. كما يجب عليه رفض أي محاولة للتأثير على نتائج التقييم من أي طرف مستفيد لأن المقيم العقاري قد يواجه ضغوط من العملاء أو جهات أخرى لتقديم تقييمات غير موضوعية وفق مصالحهم. وتحت طائلة القانون، يمكن محاسبته تأديبيًا في حال الإخلال بذلك ففي حالة رصد المخالفة تصدر هيئة المقيمين العقوبات لضمان تقييم يتسم بالنزاهة والشفافية.
دور التقييم العقاري في المشاريع الوطنية
مع التحول الرقمي الذي غزا العالم أصبح جزءًا لا يتجزأ من القطاع العقاري وبالأخص في المملكة العربية السعودية. فهي تشهد تحولاً رقميًا باهرًا في جميع تخصصات ومتطلبات القطاع. فمع وجود أنظمة تقييم إلكترونية التي تقوم بدعم وجمع وتحليل البيانات لعرض المواقع العقارية تم استخدام نظم جديدة تسمى بنظم المعلومات الجغرافية التي تحلل المواقع العقارية بدقة. بالإضافة إلى التعاون ما بين التقييم ومنصات وزارة العدل والإسكان للحصول على معلومات دقيقة وموثقة. فهذه المقدمات تلهم المشاريع الكبرى في المملكة العربية السعودية أن تستعمل التقييم لتحفيز قطاع التمويل العقاري ومن هذه المشاريع، مشروع نيوم ومشاريع الإسكان وبرامج الدعم السكني، بالإضافة للمشاريع السياحية الكبرى مثل البحر الأحمر وأمالا.
خاتمة
التقييم العقاري أداة لا غنى عنها في تطوير سوق عقاري صحي ومتوازن. فمع التوسع العمراني والنمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية. يبرز التقييم العقاري كمجال مهني غني بالفرص الواعدة، خاصة في ظل الطلب المتزايد على الشفافية والمهنية في التعاملات العقارية. لكل من يملك شغفًا في العقار وتحليل الأسواق، فإن مهنة التقييم العقاري تمثل بوابة مثالية للانطلاق نحو مستقبل مهني واعد في المملكة العربية السعودية.
